أمي



د. عائض القرني

أكبر وأنا عند أمي صغير، وأشيب وأنا لديها طفل، هي الوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها ولبنها ودمها، نسيني الناس إلا أمي، عقَّني الكل إلا أمي، تغيَّر عليَّ العالم إلا أمي، الله يا أمي: كم غسلتِ خدودكِ بالدموع حينما سافرتُ! وكم عفتِ المنام يوم غبتُ! وكم ودَّعتِ الرُّقاد يوم مرضتُ! الله يا أمي: إذا جئتُ من السفر وقفتِ بالباب تنظرين والعيون تدمع فرحاً، وإذا خرجتُ من البيت وقفتِ تودعينني بقلب يقطر أسى، الله يا أمي: حملتِـني بين الضلوع أيام الآلام والأوجاع، ووضعتِـني مع آهاتك وزفراتك، وضممتِـني بقبلاتك وبسماتك، الله يا أمي: لا تنامين أبداً حتى يزور النوم جفني، ولا ترتاحين أبداً حتى يحل السرور علي، إذا ابتسمتُ ضحكتِ ولا تدرين ما السبب، وإذا تكدّرتُ بكيتِ ولا تعلمين ما الخبر، تعذرينني قبل أن أخطئ، وتعفين عني قبل أن أتوب، وتسامحينني قبل أن أعتذر، الله يا أمي: من مدحني صدقتِه ولو جعلني إمام الأنام وبدر التمام، ومن ذمني كذبتِه ولو شهد له العدول وزكَّاه الثقات، أبداً أنتِ الوحيدة المشغولة بأمري، وأنتِ الفريدة المهمومة بي، الله يا أمي: أنا قضيّتك الكبرى، وقصتكِ الجميلة، وأمنيتك العذبة، تُحسنين إليّ وتعتذرين من التقصير، وتذوبين عليّ شوقاً وتريدين المزيد، يا أمي: ليتني أغسلُ بدموع الوفاء قدميكِ، وأحمل في مهرجان الحياة نعليك، يا أمي: ليت الموت يتخطاكِ إليَّ، وليت البأس إذا قصدكِ يقع عليَّ: * نفسي تحدثني بأنك متلفي ـ روحي فداك عرفت أم لم تعرفِ* يا أمي كيف أردّ الجميل لكِ بعدما جعلتِ بطنكِ لي وعاء، وثديك لي سقاء، وحضنكِ لي غطاء؟ كيف أقابل إحسانكِ وقد شاب رأسكِ في سبيل إسعادي، ورقَّ عظمكِ من أجل راحتي، واحدودب ظهركِ لأنعم بحياتي؟ كيف أكافئ دموعكِ الصادقة التي سالت سخيّة على خدّيكِ مرة حزناً عليَّ، ومرة فرحاً بي؛ لأنك تبكين في سرّائي وضرّائي؟ يا أمي أنظر إلى وجهكِ وكأنه ورقة مصحف وقد كتب فيه الدهر قصة المعاناة من أجلي، ورواية الجهد والمشقة بسببـي، يا أمي أنا كلي خجل وحياء، إذا نظرت إليك وأنت في سلّم الشيخوخة، وأنا في عنفوان الشباب، تدبين على الأرض دبيباً وأنا أثبُ وثباً، يا أمي أنتِ الوحيدة في العالم التي وفت معي يوم خذلني الأصدقاء، وخانني الأوفياء، وغدر بي الأصفياء، ووقفتِ معي بقلبك الحنون، بدموعكِ الساخنة، بآهاتكِ الحارة، بزفراتكِ الملتهبة، تضمين، تقبّلين، تضمّدين، تواسين، تعزّين، تسلّين، تشاركين، تدْعين، يا أمي أنظر إليك وكلي رهبة، وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانكِ، وهدّت أركانكِ، فأتذكر كم من ضمةٍ لكِ وقبلة ودمعة وزفرة وخطوة جُدتِ بها لي طائعةً راضيةً لا تطلبين عليها أجراً ولا شكراً، وإنما سخوتِ بها حبّاً وكرماً، أنظر إليك الآن وأنتِ تودعين الحياة وأنا أستقبلها، وتنهين العمر وأنا أبتدئه فأقف عاجزاً عن إعادة شبابك الذي سكبتِه في شبابي وإرجاع قوّتكِ التي صببتِها في قوّتي، أعضائي صُنِعت من لبنكِ، ولحمي نُسج من لحمكِ، وخدّي غُسِل بدموعكِ، ورأسي نبت بقبلاتكِ، ونجاحي تم بدعائك، أرى جميلك يطوّقني فأجلس أمامك خادماً صغيراً لا أذكر انتصاراتي ولا تفوقي ولا إبداعي ولا موهبتي عندك؛ لأنها من بعض عطاياكِ لي، أشعرُ بمكانتي بين الناس، وبمنـزلتي عند الأصدقاء، وبقيمتي لدى الغير، ولكن إذا جثوتُ عند أقدامكِ فأنا طفلكِ الصغير، وابنكِ المدلّل، فأصبح صفراً يملأني الخجل ويعتريني الوجل، فألغي الألقاب وأحذف الشهرة، وأشطب على المال، وأنسى المدائح؛ لأنك أم وأنا ابن، ولأنك سيّدة وأنا خادم، ولأنك مدرسة وأنا تلميذ، ولأنكِ شجرة وأنا ثمرة، ولأنكِ كل شيء في حياتي، فائذني لي بتقبيل قدميكِ، والفضل لكِ يوم تواضعتِ وسمحتِ لشفتي أن تمسح التراب عن أقدامكِ. ربِّ اغفر لوالدي وارحمهما كما ربّياني صغيراً.

قم وحيداً

قم وحيداً كابد الليل الطويل ... قم وصلى للجليل ... قم فقد حان الرحيل

قم ودع عنك الخمول ... وانطلق نحو الحقول ...

واصفف الاقدام للمولى وجاهد للوصول

قم وحيداً

قم وحيداً كابد الليل الطويل ... قم وصلى للجليل ... قم فقد حان الرحيل

لاتبالى بالنيام ... وبألوان الكلام ..

وأسمع القرآن للأفاق فى جنح الظلام

قم وحيداً

قم وذق طعم الصلاه ... فى دجى اليل الطويل ....

قم وجاهد فى الحياه ان مثوانا قليل

قم وحيداً

رغبة دفينه وأمل فى الغد

لا أدرى بماذا ابدأ.. لقد راودتنى الرغبة فى الكتابه منذ وقت طويل .. كنت ارغب فى التعبير عن نفسى ولكن كانت تأخذنى شواغل الحياة ومسؤليات العمل عن هذه الرغبة .. لكنها ابداً لم تمحوها .. وظلت تلوح لى دائماً الى ان حدث ذلك الموقف الذى قررت فيه ان اعيد حساباتى من جديد وان اعطى كل ذى حق حقه ممن ضاعت حقوقهم فى متاهة الحياه.. ومن تلك الحقوق المضيعه كانت نفسى وكان ذلك القلب الغضيض الذى لم اتحدث معهما من فترة طويله .
فكانت تلك البداية وكانت تلك الترانيم بدايه حقيقة لحوار مع النفس ابحث وافتش بداخلى عن ذلك الانسان الذى تاه فى زحام الحياه عسى ان اجده من جديد وافتح معه صفحةً جديدة .
ارى ان الانسان فى هذه الدنيا بين ثلاثه اشخاص.
انسان خاسر : خسر نفسه وخسر الناس وخسر الحياة لم تكن لحياته معنى او مضمون بل كانت تقليدية وظل طول حياته دون ان يتعرف على نفيه الحقيقية او يجدها وفوق هذه الخسارة قد خسر حياته ايضا فلم يقدم جديداً اويحرك ساكناً بل كانت حياةً راكده .
وانسان رابح : وهو انسان ربح نفسه ولكن خسر الناس فصار وحيداً فريداً منطوياً على نفسه وهو ايضاً قد خسر حياته فالانسان لا يعيش بمفرده بل يتفاعل مع الاخرين ليحيا تلك الحياة السعيده.
وانسان رابح لكنه الرابح الاكبر : وهو انسان ربح نفسه وربح الأخرين وربح الدنيا أيضاً لقد بنى نفسه وتعرف عليها وخبر محاسنها فدعمها واكتشف مساوئها فكان شجاعاً قوياً فى تغيرها وربح الناس ايضاً فم يعش بمعزل عنهم واراه قد عاش حياة حافلة بالنشاط والحيوية واستمتع حقاً بكل لحظة منها وهو فى ذات الوقت قدم الكثير .
أرى ان هذا الاخير معادلة صعبة فى هذه الأيام لكنى سأسعى جاهداً ان احققها أريد ان اقوم نفسى وابنيها من جديد أريد ان أتعرف عليها واكتشف خباياها واريد ان انفتح ايضاً على الآخرين اقبلهم قد اختلف مهم لكن دوماً اظل منصفاً وعادلاً (ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) .
اريد ان احيا حياة حافلة بالحركة والنشاط وان استمتع بكل لحظة فيها حتى ولو كانت لحظات الضيق والأسى .. استمتع بانى اقابلها بالصمود والجلد.
وفى النهاية كلمة
جاء في بعض الكتب: "أوحى الله لداود، يا داود لو يعلم المدبرون عني شوقي لعودتهم ورغبتي في توبتهم لذابــوا شوقا إليّ، يا داود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف محبتي في المقبلين عليّ